Human fraternity document article

علياء طارق

خرجت وثيقة الاخوة الانسانية من رحم الإرادة المشتركة والعمل الجاد، تندد بكل مبادئ التمييز وثقافة اللا سلم، تفتح ذراعا للجميع وترحب بالاختلاف وتزرع بذور الانسانية من جديد، لتعصف بحالة العنف واللا سلم، التي تسيطر علي العالم في مستويات التحليل المختلفة، فنلمسها في علاقة الفرد مع ذاته، وعلاقته مع مجتمعه من ناحيةوكذلك منعكسة على جوانب المجتمع السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية من ناحية اخري. بالإضافة إلى ذلك، تخرج تلك الحالة وتمتد للعلاقات والسياسات الخارجية للدول. سعت الوثيقة في سطورها وكلماتها إلى تناول كافة المستويات وإيضاح الترابط بينهم، مستخدما لغة واضحة وصورا تعبيرية متوازنة متكاملة، تعبر عن الواقع بتناقضاته وتمثله، فلا تهول و لا تسفه منه، فتوازن في جوهرها بين الألمودعوات الأمل، مرتكزة علي العدالةوالأخوة، والحوار كقيم محورية تحكم مختلف المستويات. على مستوي الفرد،اكدت الوثيقة على حق كل انسان في معتقداته وأفكاره وممارساته، حيث يخلق شخصية سوية متجانسة في ذاتها، تستطيع ان تعبر عن ذاتها وتشعر بالإنتماء، في حين حذرت الوثيقة من الشخصية المتطرفة، التي يختلف نوعها بين التطرف الإلحادي والتطرف التديني، حيث انها مرتبطة بانحرافات سلوكية كالإدمان، والتدمير الذاتي والجماعي، مركزة على دور الاسرة لتعديل ذلك السلوك. في حين على مستوي المجتمع، تناولت الوثيقة اهمية القوانين مثل القوانين التي تقوم بتجريم إكراه الناس على دين او ثقافة معينه، وحماية دور العبادة، مما يرسخ لمبادئ السلم و الحوار وتقبل الاخر، وحرية الاختلاف والاعتقاد داخل المجتمع، مرحبة بالتنوع والإبداع وقيم الجمال والحضارة. كذلك اهتمت الوثيقة بالجوانب المختلفة للمجتمع سواء البيئية او الاجتماعية  او حتى السياسية والإقتصادية، وأكدت على اهمية تحقيق العدالة وحل الازمات السياسية الطاحنة، ووقف الدماء المراقة البريئة والصراعات، عبر زرع قيم العدل، والحوار والتعايشوالتفاهم بين الناس. فتبني مثل هذه القيم و نشرها في المجتمع من شأنه ان يحل الكثير من مشكلاته التي تحاصره. والاهم ان الوثيقة حرصت على التأكيد على حقوق المرأة والاطفالوالمسنين، والمستضعفين وذوي الإحتياجات الخاصة.

لم تقف الوثيقة عند حد الوصف بلدعت كل مؤثري العالم وقادته وسياسيه ومبدعيه ومفكريه ومؤمنيه من مختلف الديانات والطوائف، للإصطفاف من أجل إعادة إكتشاف ونشر ثقافة التسامحوقيم التعايش والسلموالعدل والخير بين الناس وتبني سياسات لإيقاف الحروب والصراعاتالمسؤولة عن سيل الدماء البريئة وإعادة التوازن البيئي والمناخي وتنمية الجوانب الثقافية والإجتماعية وإيقاف الإنحدار الأخلاقي والثقافي الذي تغلغل في مختلف نواحي المجتمع. من ناحية اخرى، ارتكزت الوثيقة بشكل اساسي علىدور مؤسسة الأسرة كمؤسسة إجتماعية تربويةفي زرع و ترسيخ تلك المبادئ الانسانية والاخلاقية عبر تنشئة أبنائهم على التحلي بالأخلاق، وعلى اهمية الحوار والتفاهم كوسيلة لحل الإشكالات والخلافاتوالتسامحوتقبل الاختلاف واحترامه، فالتشكيك أو التقليل من دور الأسرة له تداعيات اخلاقية وإجتماعية خطيرة. بالإضافة إلى ذلك، ركزت الوثيقة على دور الاديان والمؤمنين كسفراء سلام وعلم في نشر الوعي حول الخالقوقيمة الحياة، وحرمة ان ينتزعها انسان من غيره، منددة بكل الممارسات التي تهددها مثل التهجير القسري، والابادة الجماعيةوالعمليات الارهابية والمتاجرة بالأعضاء البشريةوالإجهاض. انتقلت الوثيقة في تناولها لتلك القضايا من مستوي الدولة إلى مستوي العلاقات بين الدول وأكدت علىأهمية التعاون والتنسيق بين الدول لتحقيق ذلك، مع اهمية تحرير وتحديد المفاهيم لمنع ازدواجية المعايير، مثل ما يحدث فيما يتعلق بمفهوم إرهاب، والفرق بين مفهوم ارهاب ومفهوم المقاومة. فالعدالة ونشر ثقافة الحوار بين الدول هو جوهر استقرار العالم وسلامه، وحجر اساس لتعاونه لحل كل المشاكل البيئية والإقتصادية والسياسية والاجتماعية، فعالمنا اليوم وفي ظل العولمة متشابك، لا يمكن لأي دولة أو قضية ان تنعزل فيه. لذلك اهتمت الوثيقة بالتأكيد علي اهمية والإعتراف بدور بكل الوثائق الدولية التي إعترفت بأهمية دور الاديان في بناء السلم والأمن الدوليين.

في الآونة الأخيرة، ومع تصاعد الشعبوية واحزاب اليمين المتطرف المشهد السياسي العالمي، تعالت خطابات الكراهية ضد الاديان، خاصتا الدين الاسلامي، وتم اتهامهم بالتطرف والتحريض على الارهاب، معتمدين في اتهاماتهم على حالات فردية تعكس التطرف التديني لبعض المؤمنين كبرهان، و ليس التطرف الديني، في حين انهم لا يقومون بما هو اقل من هؤلاء المتطرفون حيث ان تلك الخطابات تحث على العنصرية، والكراهية و رفض الاخر، ضاربة بعرض الحائط كل الحقوق والحريات، مثل حق الإعتقاد ومبادئ التعايش والحواروحادثة نيوزيلاندا اكبر مثال على ان الارهاب لا دين، وان خطابات الكراهية المنتشرة في العالم، خاصتا في اوروبا، تغذي الكراهية و العنصرية ضد كل ما هو مختلف، مما يشعل نيران الحقد والارهاب. وهذا يعكس مشكلتين: اولا مشكلة ازدواجية المعايير، وثانيا مشكلة تحرير المفاهيم. فمصطلح الارهاب على سبيل المثال له اكثر من ١٤٠ تعريف، و هو في تزايد كل يوم، حيث يتم استخدام المفهوم المناسب لخدمة مصالح محددة من كل طرف. وفي ضوء ذلك اهتمت الوثيقة بتحرير المفاهيم والاتفاق حولها، بشكل موضوعي دون تفرقة على اساس عرق او لوناو دين او جنس، كما اكدت على دور الأديان الإيجابي في نشر قيم التعايش والحوار والسلم والأخوة الإنسانية من ناحية، والمبادئوقيم الاخلاق الضّابِطةُ للتصرّفاتِ الدوليّة من ناحية اخري، بالإضافة الي القيمالروحية والشعور بالمسؤولية والأمل.

علياء طارق

AR