Human fraternity document article-4

أحمد شوكت

في 4 فبراير 2019، وقع البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب،  وثيقة الأخوة الإنسانية في أبو ظبي. وكانت هذه الوثيقة نتاج حوارات مفتوحة بين البابا فرنسيس والإمام الطيب، وفيها أعلنا: “تبني ثقافة الحوار دربًا، والتعاون المشترك سبيلًا، والتعارف المتبادل نهجًا وطريقًا”. ودعوا قادة العالم إلى: “العمل جديًا على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام”. وتوجهوا إلى المفكرين والمبدعين في كل مكان إلى إعادة اكتشاف قيم السلام والعدل والخير والجمال والأخوة الإنسانية والعيش المشترك.

وقبل ما يقرب من 1400 عام، في العام الأول الهجري، جرى كتابة “وثيقة المدينة المنورة” بإملاء من الرسول ﷺ وتوقيعها، وهدفت إلى تعزيز روح الإخاء بين المسلمين واليهود والوثنيين، وإلى تشكيل العلاقة داخل المدينة وخارجها مع القبائل والشعوب الأخرى. وكان لوثيقة المدينة المنورة دورًا كبيرًا في إخراج المجتمع من دوامة الصراع إلى رحاب المودة والأخوة والتسامح، فركزت الوثيقة على مبادئ إنسانية مثل نصرة المظلوم، وحماية الجار، ورعاية الحقوق الخاصة والعامة، وتحريم الجريمة، وافتداء الأسرى، ومساعدة المدين، وهي المبادئ التي تساهم في وحدة أبناء الوطن الواحد بمختلف أجناسهم وأعراقهم ومعتقداتهم. فالمساواة كانت على أساس القيمة الإنسانية المشتركة، فالجميع متساويين في الكرامة الإنسانية والتكليف والمسؤولية، وأنه ليس هناك تفضيل لجماعة على الأخرى.

وفي تصريح للدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، قال إن “وثيقة الأخوة الإنسانية” هي امتداد لـ “وثيقة المدينة المنورة”. وفي ضوء ذلك، نحاول في هذا المقال استكشاف المفاهيم المشتركة بين وثيقتي الأخوة الإنسانية والمدينة المنورة.

التسامح الديني

في ختام “وثيقة الأخوة الإنسانية”، تم التأكيد على أن هذه الوثيقة دعوة للمصالحة والتأخي بين جميع المؤمنين بالأديان، بل بين المؤمنين وغير المؤمنين، وكل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة. وأن “وثيقة الأخوة الإنسانية” نداء لكل ضمير حي ينبذ العنف والتطرف، ولكل محب لمبادئ التسامح والإخاء التي تدعو لها الأديان وتشجع عليها. وأنها رمزًا للعناق بين كل من يؤمن بأن الله خلقنا لنتعارف ونتعاون ونتعايش كإخوة متحابين.

وقد أعلن القرآن قيمة “التسامح الديني” ونبذ التعصب الديني والإرهاب الفكري صراحةً في القرآن الكريم في قوله تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة:256) وأقرها في “وثيقة المدينة المنورة” التي أقرت مبدأ التسامح بين جميع الأطراف المتعاقدة من المسلمين، واليهود، والوثنيين، وترك للإنسان حريته في اختيار فكرته، وعدم المصادرة على الأفكار والعقائد الأخرى، ودفع العدوان من جانب تلك الأفكار والعقائد فحسب، فإن توقف العدوان فقد تقدست حرمات الإنسان.

وقد أكدت “وثيقة المدينة المنورة”، من بند رقم (25) إلى رقم (35)، على أن لكل طرف من الأطراف المتعاقدة دينه ومعتقده، يمارسه بكل حرية. ويقول محمد الطالبي، في مقال في مجلة الهداية التونسية، في ذلك: “وكذا يقرر دستور المدينة، بوضوح لا لبس فيه، أن لكل أمة حقها في الحرية الدينية، وأنه لا يحد من حريتها هذه شيء، سوى عدم الاعتداء على الطرف المقابل وظلمه”.

التعايش السلمي والتعاون بين الأفراد

 إن التعايش بين الأديان بصفة خاصة، يعد ضرورة ملحة للحفاظ على سلامة الكيان الإنساني، وهو ضرورة من ضرورات الحياة على هذه الأرض، تلبي نداء الفطرة الإنسانية السوية للعيش في أمن وسلام وطمأنينة، حتى ينصرف الإنسان في دعة وسكينة إلى تعمير الأرض بالمعنى الحضاري والإنساني الواسع لهذا التعمير. وقد أكدت “وثيقة الأخوة الإنسانية” على ذلك في أحد بنودها أن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءًا كبيرًا من البشر.

ويمكن للمتأمل في “وثيقة المدينة المنورة” أن يجد أن الوثيقة حددت أسس للتعايش السلمي في هذه النقاط: أولًا، الرغبة المشتركة في التعايش، وثانيًا، التفاهم حول الأهداف المشتركة بحيث يكون القصد الرئيسي من التعايش هو خدمة الأهداف الإنسانية السامية، وثالثًا: التعاون على العمل المشترك من أجل تحقيق الأهداف المتفق عليها، ورابعًا، صيانة هذا التعايش بالاحترام المتبادل والثقة المتبادلة.

 رعاية حقوق الإنسان والتأكيد على حرمتها

في استهلال “وثيقة الأخوة الإنسانية” نجد أنها تبدأ بـ “باسم الله الذي خلق البشر جميعًا متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، وتؤكد في أحد بنودها “أن الحرية حق لكل إنسان” سواء كان ذلك اعتقادًا أو فكرًا أو تعبيرًا أو ممارسةً، وأن التعددية حكمة إلهية، وتتفرع عنها حقوق حرية الاعتقاد، وحرية الاختلاف، وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة، أو فرض أسلوب حضاري لا يقبله الآخر. 

ولقد بين الرسول ﷺ، في “وثيقة المدينة المنورة”، للإنسان حقوقه التي لا يجوز التنازل عنها أو عن بعضها، لأنها ضرورات إنسانية لا سبيل لحياة الناس بدونها، ومن هذه الحقوق: حق الحرية، وحق الحياة، وحق حرية الاعتقاد، وحق العدل والمساواة، وكفالة حرية الرأي، وحق الأمن والمسكن والتنقل، وحق الفرد في المعونة المالية. وأن هذه الحقوق ليست مجرد حقوق للإنسان من حقه أن يطالب بها، وإنما هي ضرورات واجبة لهذا الإنسان. ولقد أرست “الوثيقة” حقوقًا للإنسان وواجبات عليه، بما يحقق للإنسانية الخير والعدالة والكرامة.

أحمد شوكت

AR