Human fraternity document article 2

مريم سمير البرعي

كان اليوم الرابع من شهر فبراير لعام 2019 هو اليوم الذي وقّع فيه قداسة البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية والشيخ أحمد الطيب الإمام الأكبر للأزهر الشريف وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك (بالإنجليزية: Document on Human Fraternity for World Peace and Living Together)، وذِكر أطراف الوثيقة هنا ليس سردًا للبيانات بل لأن من يبحث في سيرة كل منهما ستزداد مصداقيته في الوثيقة، فهما، شيخ الأزهر والبابا فرانسيس، ذوو صيت حسن، عرفوا بالخير والأعمال الخيرية وتقديم مصلحة الفرد وحقوقه على أية اعتبارات أخرى،  فعندما انتُخب البابا فرانسيس رحب رجال الدين المسلمين في الأرجنتين بخبر انتخابه، وقالوا في بيان لهم أنه “أظهر نفسه دائمًا كصديق للمجتمع الإسلامي”، وأنه شخص يقف موقف “الداعم للحوار”، كما أن شيخ الأزهر أحمد الطيب قام بالإشراف بنفسه على إرسال قوافل سميت بـ”قوافل السلام” إلى عدد من الدول الأجنبية في مختلف القارات، فلا حرج إن أجزمت بأن وجود هذين الشخصين على قمة المؤسسات الدينية لكل من الدين المسيحي والإسلامي كان سببًا أساسيا لرؤية هذه الوثيقة للنور، وربما لم يكن ليقدر لغيرهما أن يكونا على توافقٍ كافٍ في الرؤى لصياغة مثل هذه الوثيقة التي اعتبرت منظمة الأمم المتحدة اليوم الرابع من شهر فبراير يوم توقيعها يومًا عالميًأ للأخوة الإنسانية.  

 في مقدمة الوثيقة، تجد أنه قد اختُذلت الوثيقة في قوله “أن علينا أن ننظر للآخر كأنه أخ لنا” وفي رأيي أن هذه الجملة البسيطة لربما قد وضعت يديها تحديدًا على مقاصد الوثيقة، فأنت لن تقتل أخاك إن اختلف معك، ولن تتعمد أذيته، ولن تتجاهل احتياجه لك، مهما كنتما متباينين، لأن رابطة الدم منذ قديم الأزل رابطة صلبة، وربما هي أصلب الروابط الإنسانية، ولكن ألا تستحق رابطة الإنسانية ذاتها أن تكون أشمل وأصلب؟

لربما هذا هو السؤال الذي سأله مصريان لنفسيهما، المستشار محمد عبد السلام المستشار القانوني لشيخ الأزهر، والمونسنيور الدكتور يؤنس لحظي السكرتير الخاص بقداسة بابا الفاتيكان، واللذان قاما بدور الجندي المجهول لإعداد وصياغة هذه الوثيقة، ولا عجب أن تكون الوثيقة مصرية خالصة،  فهذه الصورة المأخوذة بمحض الصدفة من أحد محطات القطار بمصر، أي من قلب الحياة اليومية للمصريين، تُظهر إلى أي مدى يستطيع المصريون مسيحيين كانوا أم مسلمين أن يتعايشوا بشكل مشترك، في جو يسوده الود والمحبة والسلام.

تبدأ الوثيقة بذكر اسم الله، ولا أستطيع هنا التغافل عن كل الوقائع الوحشية للجماعات المتطرفة التي تبدأ خطابها باسم الله أيضًا، لكن القارئ للوثيقة سيجد ربّا مختلفٌ تمامًا عن ذاك المذكور اسمه على جرائم ذبح المسالمين أو تفجير الآمنين، متناسيين أن من قتل نفسًأ بغير نفس أو فسادًأ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا، لكن الوثيقة لتعلي من قيمة الإنسان مجردًا من كل انتماءاته أو معتقداته، وحين تذكر النفس البشرية، تُقرنها فقط، بأن الله قد حرم إزهاقها.

وفي العادة تقترن كلمة الحقوق بكلمة الواجبات، لأن من لم يؤدي واجباته، لن ينل حقوقه، ومن لم ينل حقوقه لن يسعى من أجل تأدية واجباته، لكن هذه الوثيقة لكي لا تدخل في هذه الدائرة الملتفة حول نفسها، وضعت شرطًا أساسيًا تفصل به الأمر ألا وهو الكرامة، حيث أقرنتها بالحقوق والواحبات، مشددة على أن كرامة الفرد في مجتمعه، ستصل بنا لبناء رغبة ذاتية وشغف بداخله لتأدية واجباته، ولرد الحقوق لأصحابها، وقد كرمت الوثيقة فئات مهمشة عدة، وذكرت بأنها دافع لنثر مثل تلك الوثيقة الإنسانية، فقالت باسم الفقراء والمهمشين، باسم الأيتام والأرامل، باسم المهاجرين، باسم ضحايا الحروب والمستضعفين، والأسرى، لافتة النظر لكل هذه الفئات التي لا يلتفت لها العالم لأنهم ربما لا يفيدونهم اقتصاديًا، في عالمٍ رأسمالي وقح لا تجمعه أو توحده سوى المصالح المادية دون أية اعتبارات أخرى، لكن الوثيقة قد أكدت مرارًأ على أن الأخوة الانسانية هي السبيل الوحيد الحقيقي لتوحيد البشر جميعًا

مريم سمير البرعي

AR