Human fraternity document article 1

سلسبيل درويش

بادئ ذي بدء إذا أردنا للسلام أن يزدهر في أوطاننا فعلينا رعاية بذوره، ورغم أن مقومات السلام كثيرة ومتعددة، ولكن أهمها وأبرزها وأكثرها تأثيرًا في وجهة نظري المتواضعة هي:

تربية النشء الصاعد من الشباب والأطفال على قيم ومبادئ السلام، التي نطمح جميعًا إلى تحقيقها على أرض الواقع، فتكون ثمرتها إيمان حقيقي بقيم ومبادئ السلام نابع من قلوب الأجيال القادمة ينعكس في أفعالهم وأقوالهم.

ونظرًا لما للبيئة من تأثير كبير- على الطفل خاصة- فإنه يتحتم إيلاء العناية اللازمة بمحيط الطفل (أي الأسرة) كل العناية الممكنة، لأن من أبرز حقوق الطفل أن يحيا في بيئة آمنة وجو عائلي مستقر. علاوة على ذلك فإن تفكك الأسرة وانشغال الوالدين وإهمالهم لأطفالهم قد يؤدي في كثير من الأحوال إلى جنوح الأطفال وتطرفهم السلوكي والفكري.. الخ، لاحتياج الطفل الدائم إلى قدوة صالحة أو بمعني آخر احتياجه إلى نموذج سلوكي مثالي متوقع من قبل الشخص البالغ حيث إن الطفل يتقمص ويقلد سلوك من حوله، فبالنسبة للأطفال “الأفعال أبلغ من الكلمات”.

ومن الملاحظ حرص وثيقة الأخوة الإنسانية الواضح على الطفل والأسرة، وكيف تناولت الحديث عنهما في أكثر من موضع، وعن أهميتهما بالتبادل – لذلك قررت تناول حق الطفل في التنشئة الأسرية السليمة- حيث ذكرت الوثيقة في أول موضع، دور الأسرة في مواجهة: الأزمات العالمية بإنجاب الأبناء وتربيتهم وتعليمهم وتحصينهم بالأخلاق وبالرعاية الأسرية.

وهذا لما للأسرة من أثر كبير وحقيقي في تقويم سلوك أفرادها، وبالتالي أفراد المجتمع، حيث أن الأسرة نواة المجتمع وهي التي تحدد واقع وشكل الحياة الاجتماعية فيه.

وهذا ما جاء في نص الوثيقة بعد الحديث عن الازمات العالمية الطاحنة حيث ذكر:

“.. وهنا تظهر ضرورة الأسرة كنواة لا غنى عنها للمجتمع وللبشرية، لإنجاب الأبناء وتربيتهم وتعليمهم وتحصينهم بالأخلاق وبالرعاية الأسرية، فمهاجمة المؤسسة الأسرية والتقليل منها والتشكيك في أهمية دورها هو من أخطر أمراض عصرنا.

إننا نؤكد أيضا على أهمية إيقاظ الحس الديني والحاجة لبعثه مجددًا في نفوس الأجيال الجديدة عن طريق التربية الصحيحة والتنشئة السليمة والتحلي بالأخلاق والتمسك بالتعاليم الدينية القويمة لمواجهة النزاعات الفردية والأنانية والصدامية، والتطرف والتعصب الأعمى بكل أشكاله وصوره.”

ثم جاء الحديث عن الطفل وحقه في التنشئة السليمة، وحمايته من أي ممارسات ضارة سواء في العالم الرقمي أو الواقعي، في الموضع الثاني، تحت بند تأكيدات الوثيقة:

” أن حقوق الأطفال الأساسية في التنشئة الأسرية، والتغذية والتعليم والرعاية، واجب على الأسرة والمجتمع، وينبغي أن توفر وأن يدافع عنها، وألا يحرم منها أي طفل في أي مكان، وأن تدان أية ممارسة تنال من كرامتهم أو تخل بحقوقهم، وكذلك ضرورة الانتباه إلى ما يتعرضون له من مخاطر – خاصة في البيئة الرقمية – وتجريم المتاجرة بطفولتهم البريئة، أو انتهاكها بأي صورة من الصور.”

واستهل حديثي هنا عن الواجب المجتمعي الذي نصت عليه الوثيقة في حماية حق الطفل في التنشئة الأسرية السليمة، واذكر على سبيل المثال لا الحصر:

اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، والتي جاء في ديباجتها نفس ما جاءت به الوثيقة تقريبًا، بشأن حق الطفل في تنشئة أسرية سليمة كما ذكرت الاتفاقية:

“.. واقتناعًا منها بأن الأسرة، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع،

وإذ تقر بأن الطفل، أي تترعرع شخصيته ترعرعًا آملا ومتناسقًا، ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم،

وإذ ترى أنه ينبغي إعداد الطفل إعدادًا آملا ليحيى حياة فردية في المجتمع وتربيته بروح المثل العليا المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصًا بروح السلم والكرامة والتسامح والحرية والمساواة والإخاء،..”

وجاء كذلك قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008: في مادته الثالثة، الفقرة (أ)، ليؤكد على نفس الحق:

“أ) حق الطفل في الحياة والبقاء والنمو في كنف أسرة متماسكة ومتضامنة وفي التمتع بمختلف التدابير الوقائية، وحمايته من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو التقصير أو غير ذلك من أشكال إساءة المعاملة والاستغلال”

وهذا يقودنا بداهة إلى أهمية دور الأسرة في هذا العصر الذي أصبح للأسرة صورتان غالبتان فيه: إما أرباب أسر مستبدون أصبح أبناؤهم وزوجاتهم في حكم الإماء والعبيد تحت سلطانهم، أو أرباب أسر غير واثقين من حقوقهم الأبوية تجاه أبنائهم، ولا من طبيعة التربية السليمة لهم، والأبناء غير مدركين لواجب الطاعة والاحترام لآبائهم.

إن الأسرة تؤثر في شخصية الطفل تأثيرًا جللاً، كما أن الطفل يتأثر بالبيئة المحيطة كما ذكرت آنفا، لذلك فإنه يجب توفير الجو العائلي المستقر لتنشئة الطفل، ولم أجد وصفًا يوضح معني الاستقرار في الأسرة أفضل مما جاء به د. ملاك جرجس، أستاذ العلوم السلوكية، في كتابه مشاكل الأطفال النفسية، حيث قال:

” ..المقصود بالجو العائلي المستقر، أنه الحالة التي توفر الجو النفسي والصحي للطفل، والذي يتصف بأن الوالدين يحب كل منهما الآخر، ويحبان الطفل ويهيئان له جوًا من الدفء العاطفي الذي يشبع حاجاته النفسية ورغباته، وأن الوالدين يحاولان قدر طاقتهما مساعدته وإشعاره بالأمن والطمأنينة، والشعور بالتقدير، و الشعور بالحرية المعقولة، ويشبعان فيه الحاجة للشعور بالنجاح وإلى سلطة ضابطة موجهة في سلوكه، كذلك فإن الأبوين لا يختلفان في معاملتهما للطفل بل يعاملانه بثبات وسياسة واحدة، وإن كانت مرنة تتسم بالتسامح والعطف.”

وبجانب أهمية دور الأسرة في تربية الأطفال تربية سليمة فإنه يأتي دور الأسرة كذلك في حمايتهم من الأذى والعنف بكل أشكاله وصوره وأي استغلال سواء كان جسدي، أو نفسي، أو جنسي. وتربية عقولهم، كذلك تربية متكاملة تعينهم على قدرة الاختيار والاستخدام الأمثل للعالم الرقمي مع مراقبتهم.

وخلاصة القول: يجب علينا الاهتمام بإشباع متطلبات الطفل وخاصة النفسية وحمايته ورفض أي معاملة سيئة له، مع عدم المبالغة والقلق على تنشئته، فإن الطفل إذا نشأ في بيئة شعارها الحب والتفاهم والصدق والسلام فإنه ينشأ متوازنًا نفسيًا وأخلاقيًا وسلوكيًا، صادقًا متفاهمًا محبًا مؤمنًا بالسلام، ولنضع نصب أعيننا دائما تعاليم الأديان التي حثت على حُسن تربية الأبناء ورعاية الأسرة، مثل ما جاء في:

القرآن الكريم -بشأن أهمية الحوار والتحاور مع الأبناء وحُسن تربيتهم وغرس القيم الدينية والأخلاقية فيهم- بخطاب لقمان لأبنه، قال تعالى: ” يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”(سورة لقمان 19:17).

كما يؤكد الكتاب المقدس علي العلاقة السوية بين الآباء والأبناء، حيث حث الآباء على نبذ العنف والقسوة وتقديم الحب والعطف للأبناء : “وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلادَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ” (أفسس 4:6).

سلسبيل درويش

EN